تأثير الحرب الغير مباشر على إنتاج المحتوى السوري

في بداية الألفية الجديدة كان الأمل كبيراً بمنصات الاعلام الجديد والويب 2.0 والذي منح المستخدم العادي صلاحيات كبيرة في عمليات النشر الالكتروني وبدأت المدونات تغزو العالم (نصية كانت أم صوتية أو فيديو) وبدأ مصطلح صانع المحتوى بتبلور، وما كان هواية أصبح مع الوقت حرفة.

في سورية تأخرت هذه الحرفة لأسباب عديدة أهمها الحظر والذي بدأ على منصة يوتيوب الشهيرة وذلك قبل أن تكون معروفة أساساً، حيث أغلب جهات المستخدمين كانت على الطلب الهاتفي ولا تملك أي قدرة على مشاهدة أي مقطع فيديو. مع حظر لويكيبديا وحظر منصة الفيسبوك. إلى أن تم فك الحظر أخيراً سنة 2011.

بذلك تأخر المجتمع السوري عن دخول هذه المنصات سنوات عديدة، بالرغم من أنّ العديد كان يدخل هذه المواقع عبر برامج كاسر البروكسي، لكنها لم تكن شائعة وغير معروفة بشكل كبير.

دخول الهاتف الذكي وفك الحظر وارتفاع سرعات الانترنت نسبياً مكن المجتمع السوري من دخول هذه المنصات والتفاعل معها ولكن بسبب تواتر الحرب مع تاريخ فك الحظر كان التفاعل هدفه الأساسي الحصول على الأخبار ونشرها.

وبالتالي ضاعت أكثر من 15 سنة على المجتمع السوري لانضاج فكرة صانع المحتوى، واستثمار هذه المنصات بالشكل الأمثل، ونسبياً بالفترة الأخيرة بدأت محاولات جدية لاستثمار منصات التواصل الاجتماعي وان كانت بشكل خجول.

للأسف مع فك الحظر عن يوتيوب وفيسبوك، كان الحظر على ووردبرس.كوم. وبالرغم من تضاءل أهمية التدوين على منصة ووربرس بسبب تراجع فكرة التدوين الطويل عالمياً وحلول منصات أخرى أسرع وأكثر انتشاراً مثل فيسبوك وتويتر. ما زال الحظر سارياً.

ومع الحظر الداخلي كان هناك الحظر الخارجي وهو الأشد فتكاً وصعوبة لتجاوزه لأنه حظر امكانية الدخول في عالم الويب 3.0 وهو نقطة التحول من عالم الانترنت حيث يكون المستخدم فيه صانعاً للمحتوى، إلى عالم الانترنت حيث يكون فيه المستخدم صانعاً ورابحاً من المحتوى. وبالتالي جميع وسائل الدفع الالكترونية كانت محظورة، وجميع المواقع التي تمكن صانع المحتوى السوري من الاستفادة من خبراته كانت تحظره بمجرد معرفة مكانه. وعليه الالتفاف على هذا الحظر بتسليم مفاتيح حسابه لشخص خارج البلاد.

اليوم صناع المحتوى السوريين في الداخل السوري قلة قليلة، وأغلب نتاجهم يغلب عليه الفكر التسويقي والخدمي وتقديم محتوى هو عن كيفية صناعة المحتوى، ولم أجد حتى الآن محتوى هو محتوى بالمعنى الحرفي للكلمة، وجميع المحاولات كانت عبثية وغير حرفية.

إن الحرب لم تأتي فقط على الأرواح والممتلكات المادية، بل حتى تلك المناطق التي وصفت بالآمنة باتت تعيش حالة انقطاع كبير في الكهرباء، وعدم استقرار الخدمات الأساسية وارتفاع مستويات التضخم.

مع ارتفاع مستويات التضخم بات من الصعب جداً تطوير حاسوبك الشخصي أو الحصول على بداءل أفضل وذلك بسبب مستويات غير مسبوقة من الأسعار. ومع تطور البرمجيات أغلب تلك الأجهزة توقف الدعم عنها وكان لزاماً الانتقال إلى نسخ ويندوز جديدة. النسخ الأخيرة تقتل هذه الأجهزة ولا يمكن أساساً الاستفادة منها.

مثلاً جهازي هو من نوع ACER اشتريته سنة 2008، وأنا غير قادر على تطويره أو شراء بديل عنه، واضطررت للابقاء على نسخة ويندوز 7 عليه والتحايل على مايكروسفت للحصول على الدعم حتى 2023 وذلك باتباع الخطوات المذكورة في الفيديو لجعل حاسبك الشخصي المنصب عليه ويندوز 7 القديم قادر على العمل في مواقع خاصة لعام 2022.

ومثلي الكثيرون، وحتى ولو توفر الجهاز، إن عدم توفر الطاقة الكهربائية تجعل من الصعب الابقاء على التواصل المستمر مع الشبكة الاجتماعية ونشر المحتوى المطلوب، وأقل بطارية لابتوب يبلغ سعرها ما يعادل راتب شهري للموظف.

وحلول الطاقة البديلة تستلزم الملايين من الليرات السورية لتركيبها وتفعيلها وهي أبعد ما يكون عن الواقع، وحتى نظام مولدات الديزل أغلبنا فضل البقاء بحالة انقطاع التيار على دفع مرتبك الكامل لقاء كهرباء لا تشغل لك سوى لمبة وتلفاز لمدة أربع ساعات باليوم.

إن هذا الوضع دفع بالكثير من أصحاب المهارات وصناع المحتوى المحتملين للهجرة خارج البلاد، وهذا ما أجده عبر منصة اليوتيوب ليوتيوبر سوريين قرروا مغادرة البلاد والحصول على فرصة للعمل والنشر بشكل متواصل خارج سورية حتى الحصول على سبونسر.

للأسف لا حلول واقعية خلال هذه الفترة، واستمرار الوضع على ما هو عليه يعني استمرار نزيف المهارات اللازمة أصلاً للبلاد للنهوض واعادة الاعمار. فصانع المحتوى هو بالنهاية جزء من منظومة ريادة الأعمال. وهو بداية تحوله لمؤثر حقيقي على مستوى الشبكة الاجتماعية وللأسف أغلب المؤثرين الحاليين لا علاقة لهم بالمحتوى. المحتوى الذي يجب أن يتناول ثقافة الكيف؟، ثقافة التعلم وحل المشاكل وتجاوزها. ثقافة الالهام والابداع.