هل الصين تغرق الأسواق؟.

عندما قررت التدوين كان في خاطري أن لا أدون عن مجال دراستي، ربما لأنني لم أكن بحاجة للمزيد من الكلام عن الاقتصاد، أو بسبب تعقيد المواضيع الاقتصادية بحد ذاتها، على كل تخرجت ومن ضمن خططي، طرح مواضيع اقتصادية، بناء على دفتر ملاحظاتي الذي دونت فيه الكثير من الملاحظات الاقتصادية الهامة، وسأحاول شرح ما أمكن من مفاهيم اقتصادية يصعب فهمها أو ادراكها لدى غير المختصين.

اليوم سمعت صديقي يتحدث عن المنتجات الصينية، ويقول، يا الهي، لقد أغرقت الصين السوق بمنتجاتها، لم يعد بامكانك أن ترى واجهة محل إلا وعشر قطع على الأقل إن لم يكن جميعها صنع في الصين.

العلم الصيني

هل فعلاً الصين تمارس اغراق السوق؟، هناك فرق بين غزو السوق، وبين اغراقه، فانتشار بضاعتك لا يعني اغراق السوق، بل هو اختراق للسوق، أو غزو للسوق.

متى يمكنك القول عن بلد يمارس الاغراق في حق بلد آخر؟.
الاغراق يكون في حالة واحدة فقط، وذلك عندما تبيع سلعتك في البلد الآخر بسعر أرخص مما تبيعه في بلدك.

مثلاً لو قامت سوريا ببيع سيارة شام في الأردن بأقل من قيمتها السوقية في سوريا، عندئذ، تكون سوريا تمارس الاغراق السوقي، لكن عندما تبيعها بأعلى مما هي في سوريا، أو بنفس السعر، فإن هذا ليس باغراق، انما مجرد دخول للسوق الأردني لا أكثر ولا أقل، ربما تلجأ لتسعير السلعة بأرخص من السلع الأخرى المشابهة في السوق الأردني وهذا يسمى اختراق السوق.

مثلاً: إذا قررت الأردن بيع غسالات منزلية إلى سوريا، وقررت تسعير الغسالة في سوريا بسعر أدنى من مثيلاتها الموجودات في سوريا وبنفس الوقت الأردن لا يبيع الغسالة في سوريا بسعر أدنى مما يبيعه في السوق الأردني، فهذا اختراق للسوق السوري، حيث تصبح الغسالة الأردنية، أرخص غسالة متوفرة في سوريا، ومع ذلك سعرها ليس بأدنى من السعر الموجود لدى الأردن لنفس الغسالة.

أما في حال قام الأردن ببيع الغسالة في سوريا بسعر رخيص في الحالتين، يعني أرخص من مثيلاتها السوريات، وأرخص مما يبيعها في الأردن فهذا يدعى اغراق.

كيف للصين أن تكون بضائعها رخيصة إلى هذا الحد؟.
العامل الأول والأساس هو ضعف سعر العملة الصينية، مقابل العملات العالمية، فعندما يكون سعر صرف عملتك رخيص أمام أسعار العملات الأخرى، فهذا أمر رائع للمصدر وأمر سيء جداً للمستهلك، وارتفاع سعر العملة يكون أمر رائع للمستهلك وأمر سيء للمُصدّر. فضعف سعر العملة يعني أن سلعك بالنسبة للآخر رخيصة، فالآخر يستطيع بعدد قليل من الوحدات النقدية شراء عدد كبير من وحداتك النقدية وبالتالي شراء منتجات أكثر منك مما تستطيع أنت شراءه منه.

أما العامل الثاني، فهو قدرة الصين الكبيرة على تخفيض التكاليف الثابتة إلى درجة كبيرة جداً، فعادة سعر السلعة يرتبط بتكلفتها، وهناك نوعين من التكاليف، ثابتة ومتغيرة، الثابتة هي مثل أجور العمال، تكلفة ايجار المصنع…إلخ، أما المتغيرة، فهي مرتبطة بالانتاج، مثل المواد الأولية، والتكلفة الثابتة تكون ثابتة بالمجموع الكلي، لكن متغيرة بالنسبة للوحدة الواحدة، أما المتغيرة، فهي ثابتة بالنسبة للوحدة الواحدة متغيرة بالنسبة للاجمالي.

يعني، لنفرض أن مصنع أنتج ألف وحدة من منتج ما، هناك تكلفة ثابتة اجمالية هي كما ذكرنا أجور العمال الشهرية، ايجار المحل، مخصصات الصيانة والاهتلاك، إلخ، ولنفرض أن التكلفة الثابتة كانت عشرة آلاف، وهي ثابتة، فعند تقسيمها على عدد الوحدات المنتجة لنعرف نصيب الوحدة الواحدة من التكاليف الثابتة، فإن هذا الناتج يتغير بتغير عدد الوحدات المنتجة، وهذا بالضبط ما تقوم به الصين، فهي تقوم بتخفيض هذا الناتج إلى أدنى حد، عبر أجور العمال المتدنية مثلاً.

أما التكلفة المتغيرة، فهي ثابتة بالنسبة للوحدة الواحدة، لنفرض أن التكلفة المتغيرة للوحدة هو 2 ليرة، فانتاج ألف وحدة يعني 2000 ليرة، وانتاج ألفين وحدة يكلف 4 آلاف ليرة وهكذا.

التكلفة المتغيرة تتعلق كما ذكرنا بالمواد الأولية، ويمكن تخفيض التكلفة المتغيرة، عبر ابتكار وسائل تكنولوجية حديثة للتصنيع أو ايجاد مصادر بديلة ورخيصة للمواد الأولية، كما يلعب سعر صرف عملتك دور كبير في التكلفة المتغيرة، فإذا كانت عملتك ضعيفة، يعني تكلفة استيراد عالية وبالتالي تكلفة متغيرة كبيرة، والعكس بالعكس، والدول المتقدمة، تعتمد على تخفيض التكلفة المتغيرة لأدنى حد.

إذا، الصين لا تمارس اغراق سلعي، بل تلجأ إلى انتاج سلع ذات أسعار رخيصة للغاية، وهذا بحد ذاته ترويج تلقائي للمنتج، فعناصر المنتج التسويقي التقليدي هي: المنتج، السعر، التوزيع، الترويج. ولو كان هناك ضعف في أي من عناصر المزيج التسويقي، يمكن تعويض هذا الضعف بسرعة فورية عبر تخفيض السعر.

مصدر صورة العلم الصيني من هنا.